قبل سنوات، وحينما كان محمد عثمان ما يزال طفلاً صغيراً يكبر في مدينة جبلة السوريّة، أصر أبوه على إرساله إلى صالون الحلاقة الذي يملكه خاله ليتعلم مهارات المهنة، لكن محمد كره ذلك، ولم يظن أن مبادئ الحلاقة التي تعلمها في ذلك الصالون الصغير، ستصبح بعد سنوات مفتاحه للنجاح والتميّز كحلاق محترف اقترن اسمه بالعديد من لاعبي كرة القدم السويديين المشاهير.
من تركيا حتى السويد
جاء محمد عثمان إلى تركيا عام 2015 بعد أن أمضى في الأخيرة سنة ونصف، حيث كان يحلم بأن يصبح قبطان سفينة ويدرس الملاحة البحرية، وبالفعل بدأ في تركيا بعد تعلمه لغتها بإجراء امتحانات القبول للجامعات لكن نقصاً في أوراقه الرسمية حال دون إكماله مخططه، ولهذا قرر التوجه إلى أوروبا دون امتلاك خطة واضحة عما سيفعله. أحب محمد الاستقرار في ألمانيا لكن وجود بعض أفراد عائلته في السويد جعله في النهاية يستقر هنا.
في البداية ومن مالمو انتقل محمد إلى مدينة أخرى منتظراً الحصول على إقامته والتي استغرقت سنتين. لشغل وقت فراغه الطويل انكبّ الشاب في ذلك الوقت على تعلم اللغة السويدية على اليوتيوب وقام أيضاً بالتسجيل في نادي للعب كرة القدم، كي يمارس الرياضة التي يحبها ويطوّر مقدراته في اللغة.
مع امتداد وقت الفراغ، بدأ محمد يتبرع بقص شعر بعض أصدقائه ومعارفه المحيطين به، خاصة وأن معظمهم كانوا من المهاجرين الذين يفضلون الحصول على قصة شعر مجانية دون دفع 600 أو 700 كرون خاصة وأن راتب بعضهم لم يتجاوز 1800 كرون.
في لقاءه مع “أكتر” نسأله على سبيل المزاح إذا ما نفّذ في بداياته قصات شعر كارثية، أو خرّب شعر أحد أصدقائه بينما يتدرب على استعادة مهارات الحلاقة. يضحك محمد ويجيب بأن ذلك ولحسن الحظ لم يحصل فكل الأخطاء التي ارتكبها كانت بسيطة و”قابلة للتصليح”. لاحقاً بدأ محمد تدريباته في صالون حلاقة يملكه أحد الأصدقاء وهناك طوّر موهبته في الخروج بقصات شعر عصرية إلى جانب تعلمه أساليب التعامل مع الزبائن وصقل مقدراته على التحدث بالسويدية.
كيف اكتشف محمد مصادفة أنه بات حلّاق النجوم!
بعد حصوله على الإقامة نصحه مكتب العمل بالانتقال إلى ستوكهولم حيث فرص عمله كحلّاق ستكون أفضل هناك وهذا ما حدث. بمجرد وصوله إلى ستوكهولم اكتشف الشاب بأن السويدية التي ظن بأنه بدأ يتقنها ما تزال تحتاج منه الكثير من الجهد خاصة وأن إيقاع ستوكهولم السريع والازدحام والناس المتنوعين مختلف عن البلدة الهادئة التي سكنها. لكنه بدأ بدراسة الـ (SFI) وإكمال عمله في صالون الحلاقة. في المجتمع العربي يُعرف الحلّاق بأنه شخص قادر على فتح الكثير من الأحاديث وسرد القصص والأخبار على زبائنه بغرض تسليتهم بينما ينتهي من قص شعرهم. ومحمد بدوره استغل مهنته لفتح الأحاديث مع الزبائن وتطوير لغته كما أن زبائنه ساعدوه في التدرب أكثر على اللغة الجديدة. ذات يوم شاهد محمد أحد زبائنه الذي يأتي دائماً كي يقص شعره عنده على التلفاز وكان يعرف بأنه لاعب كرة قدم، لكن لم يظن بأنه مشهور إلى تلك الدرجة، حينها أدرك أن الصالون الذي يعمل فيه في منطقة سودرمان بات مقصداً للرياضيين السويديين المشاهير الذين يأتون من أندية كرة القدم السويدية كي يقصوا شعرهم فيه.
يقول محمد أن لقبه كحلاق نجوم الكرة السويدية جاء نتيجة مقدرته على فهم ما يريده زبائنه والخروج بقصات شعر متقنة وعصرية، مع الوقت بدأ بتصوير القصّات التي ينجزها ونشرها على صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي، وبالتالي بدأت دائرة زبائنه تتسع وتضم رياضيين جدد كبعض لاعبي الهوكي أو حتى بعض الممثلين المشهورين في السويد كماتياس فاريلا الذين باتوا يقصدون الصالون ويطلبون محمد بالاسم.
لا أطمح الآن لافتتاح صالون
ورغم اتساع شهرته ولمعان اسمه كحلّاق محترف يقوم محمد بأنه لا يُفكر بافتتاح صالون خاص فيه، لأن يرى في الصالون تقيداً لحريته ولأحلامه. فهو كما يقول يطمح كرياضي شغوف بالرياضة إلى التنقل مع اللاعبين في جولاتهم وبطولاتهم كحلّاق محترف، خاصة وأن هناك علاقة مميزة تجمعه بزبائنه قوامها الاهتمامات المشتركة، فهو يرى أنه كشاب في عمر يسمح له بالتجوّل والاستمتاع بمهنته وبالرياضة بدلاً من البقاء محصوراً في صالون مغلق.
في الركن الذي يعمل فيه يعلّق محمد “أقمصة” اللاعبين الذين يفخر بأنه صفف شعرهم لتجمعه بهم علاقة صداقة. فـ “عثمان” يرى اليوم بأن لديه تواصلاً مع المنتخب السويدي والصربي والتشيلي ويتخيل إمكانية السفر معهم في البطولات الكبرى ككأس العالم وغيرها من البطولات.
محمد برفقة لاعب آخر من المنتخب
الزمن يتغيّر: إليك نصائح محمد لقصة شعر عصرية
نسأله بعدما صار حلاقاً محترفاً عن أكثر قصات الشعر التي يكرهها ويستذكرها من طفولته وشبابه فيجيب دون تردد بأنها قصة “البانكي” التي يتم فيها حلق الشعر من الجانبين وتركه طويلاً أعلى الرأس، لكن محمد يضيف بأن كل عصر له موضة خاصة به وأنه في أحيانٍ ينظر إلى صوره قبل سنوات ويستغرب من ثيابه وقصة شعره التي ظنها في ذلك الوقت “على الموضة”.
وفي ختام لقائنا معه نطلب منه إعطاء بعض النصائح للشباب من أجل إطلالة أنيقة وقصة شعر عصرية فيقول إن الأهم من وجهة نظره أن يدرك المرء بأن هناك تسريحات وقصّات مختلفة تناسب المهن المختلفة ونوع الشعر وحتى شكل الرأس وعن هذا يقول: “هناك تسريحات تليق بالوجوه المستديرة أو المستطيلة أو بالشعر الخفيف، كما أن قصة الشعر للرياضيين تختلف عما إذا كان الشخص موظفاً حكومياً، فالشخص يجب أن يختار القصة التي تلائمه بعيداً عن الدارج”.
أما عن نصائحه لمن يحب امتهان الحلاقة فيقول محمد أن الشخص يجب أن يختار المهنة عن حب ورغبة ويدرك بأنها مهنة صعبة تتطلب منه الوقوف ساعات طويلة ولذلك فالأفضل له أن يمارس الرياضة ويعتني بجسده كي يستطيع مواكبة متطلباتها.